2013/05/29
عمر محمد جمعة – البعث
يبدو برنامج "بعد العرض" الذي قدّمته قناة "سورية دراما" مؤخراً خطوة في الاتجاه الصحيح، يستكمل ما بدأته البرامج الأخرى، قديمها وحديثها، والتي سعت على الدوام إلى مقاربة وتقييم المنجز الدرامي السوري في مراحل زمنية وموضوعات مختلفة، والبحث في نقاط القوة والضعف فيه، معتمداً أولاً على تقرير يعدّه فريق العمل وتالياً استطلاع أو ريبورتاج عن انطباع الجمهور بشرائحه كافة، فضلاً عن استضافة مخرج أو كاتب العمل وناقد فني يقف عند أسباب النجاح أو الفشل وفق رؤية فنية تشرّح تفصيلات العمل وتسلّط الضوء على حكايته الرئيسية ومقولاته الداعمة والشخصيات وطبيعتها وأداء الممثلين، ومقارنته مع أعمال أخرى والتأثير والمكانة التي سيحتلها أو احتلها في تاريخ الدراما السورية.
> نجزم أن الهدف السامي الذي ترنو إليه "سورية دراما" هو سعيها الحثيث للارتقاء بالمنتج الدرامي المحلي والبحث عمّا يجعله الأنجح والأبقى والخيار الأول للمشاهد السوري والعربي، والأمر ذاته هو ما يدفع مدير القناة الأستاذ سعد القاسم لتبني مثل هذا البرنامج الذي يجسر ويضيّق ما استطاع فجوة تكاد تتّسع أكثر فأكثر مع كثافة إنتاجنا الدرامي وتزايد ساعاته خلال العقود الأخيرة، إذ لا يمكن لأحدنا أن ينكر أن آلاف المقالات التي كُتبت ونُشرت في الصحافة المحلية والعربية، لاقت إعراضاً بل إهمالاً كبيراً من قبل المنتجين والمخرجين والكتّاب، ولاسيما تلك التي كانت حادة في تناولها وقراءتها لأعمال بعينها، بذريعة السطحية ومجانبة الحقيقة والموضوعية، وقد وصلت مغالاة البعض لاتهام النقاد أو الصحفيين بالكيدية لحساب جهة إنتاجية أو إخراجية أخرى.
وهنا لا بد من السؤال: هل سيضيّق برنامج "بعد العرض"، رغم تقديم حلقتين منه فقط حتى الآن، تلك الفجوة المتنامية، ويعوّض المشاهد السوري عن عشرات صفحات المتابعات الدرامية، ويثبت للمشكّكين أن المقالات والدراسات النقدية التي نُشرت في صحفنا واكبت إلى حدّ بعيد المنجز الدرامي السوري وأثنت على اللامع والمتميّز فيه، وبالقدر ذاته نبّهت بوعي وحيادية مطلقة إلى ما يمكن أن يجعل هذا المنجز مكرراً ورتيباً وبعيداً عن وجدان المشاهد السوري أو العربي.
نعتقد أنها مجازفة واستباق للأحداث والوقائع أن نذهب إلى أن "بعد العرض" سيسدّ فراغاً كبيراً أو ينوب عن برامج أخرى تدور في الفلك ذاته، بيد أن فكرة مواجهة العمل الدرامي بما يوازيه نقدياً تستحق وتستوجب الوقوف عندها، ولاسيما مع إدراكنا واعترافنا أن تقييم المسلسلات السورية ظل ردحاً من الزمن –في الأغلب الأعم منه- مقتصراً على الفترة التي تلي الموسم الرمضاني، إذ كانت تجتمع أسرة المسلسل في أحد أيام العيد، لتتلقى الاتصالات والثناء والمديح والإعجاب بذلك الفنان أو تلك الفنانة من جمهور المشاهدين، فيما يغيب النقد الحقيقي الذي يقارب المسلسل بمرجعية فنية وإبداعية، أما في "بعد العرض" فقد باتت مسافة تقييم العمل الدرامي أقرب إلى الدقة العلمية والموضوعية، وذلك ما لمسناه في الحلقة الأولى التي أعدّها الزميل منصور الديب وتناولت مسلسل "حارة القصر" الذي كتبه عادل أبو شنب وأخرجه علاء الدين كوكش، وهو من كلاسيكيات الدراما السورية، والحلقة الثانية التي أعدّتها الزميلة روزالين الجندي وتناولت عملاً معاصراً هو "رومانتيكا" الذي كتبه شادي دويعر وأخرجه مهند قطيش، والحلقتان أخرجتهما سوزان الكرم وأدارت الحوار فيهما أنسام السيد.
ونزعم أن الآراء التي طُرحت في البرنامج أظهرت مدى الحاجة الكبيرة والملحة لتقييم ما قدّمته الدراما السورية خلال مراحلها المختلفة، سواء في عمق الحكاية أو بنية الشخصيات أو اقتراب النصوص والسيناريوهات ورصدها للمشكلات الحقيقية التي يعاني منها مجتمعنا، وقدرتها على منافسة الآخر المحلي أو العربي ورسوخها في ذهن المشاهد واحتلال مكان لائق في تاريخ الدراما السورية.
على أن الرهان الأكبر هو على مدى قدرة برنامج "بعد العرض" على الاستمرار وتوسيع دائرة اهتمامه، ونطاق مسؤولياته، واجتراح زوايا جديدة متعددة في قراءة المشهد الدرامي، وباعتقادنا أن المفاضلة والمقارنة بين القديم والجديد، وقراءة التحولات التي طرأت على الدراما المحلية، سواء في موضوعاتها أو مقوماتها الفنية والبصرية، ستضيف عامل نجاح إضافياً إلى البرنامج، وصولاً إلى تحقيق الغاية المرجوة منه، خصوصاً وأن "سورية دراما" دأبت منذ سنوات على إعادة مسلسلات سورية قديمة بالتوازي مع مسلسلات جديدة، وهذا التوجه قد يساعد المشاهد على تكوين ذائقة فنية يمكن الاعتماد عليها في تقييم المسلسلات المعروضة.
أخيراً يمكن القول: إن "بعد العرض"، كما أسلفنا، خطوة بالاتجاه الصحيح لبّت أسئلة كثيرة، وما يكرّسها ويدعمها هو استمرار هذا البرنامج والبحث عمّا يسعّر المواجهة بين المنتج الدرامي ومعادله النقدي، فالضد لا يظهره إلا الضد!!.