2012/07/04
فاتن قبيسي - السفير
لم يكن من المتوقع أن تنتهي الأحداث الأخيرة في مسلسل «الغفران» بهذه القوة بالمعنى الدرامي الاحترافي، بخلاف معظم حلقاته التي اتسمت بالرتابة والبطء.
قد يصح القول أن المسلسل الذي كتب قصته حسن سامي يوسف عن رواية «الحب والفراق»، يتأرجح بين ثلاثة مستويات. الأول ظهر في بداياته حين عادت عزة (سلافة معمار) لتلتقي بأمجد (باسل خياط) منذ أن تركت الحارة برفقة أهلها، إذ تضمنت الحوارات بينهما في الحلقات الأولى مقولات جديدة وأفكار غير اعتيادية في الحب والصداقة والحياة... وقد عكست بالدرجة الأولى قناعات خاصة لدى عزة، (حتى من خلال حديثها مع أختها أحيانا). فالفتاة تملك مفهوما خاصا في العلاقات والزواج، وأكثر ما تبدى ذلك، من خلال مبادرتها طلب الاقتران من أمجد، سعيا وراء صداقته أساساً، والتي لا يمكن أن تبنيها خارج إطار الزواج، في مجتمع شرقي.
إذن دوافع الدخول الى المؤسسة الزوجية كسر في المسلسل رتابة الأحداث المتشابهة في مسلسلات أخرى. وكان ثمة عنصر جاذب هنا يتكأ الى أسئلة ولدت لدى المشاهد عن مصير هذه العلاقة غير التقليدية، ما يدفعه للمتابعة معولا على جو رومانسي يبقى عنصر جذب في الدراما العربية، في ظل انحساره تدريجيا لصالح الأعمال التاريخية والبيئة الشامية ومواضيع العنف والانحراف...
الا أن المسلسل سرعان ما انزلق الى مستوى آخر. فبعد الزواج وحالة الانسجام التي سادت بين الزوجين، دخلت الأحداث نفق الرتابة والبطء، لا بل أن العمل اعتمد في حلقات كثيرة على الكلام والحوارات غير المجدية (بعكس القسم الأول من العمل)، من دون أن تطرأ أحداث فعلية. وهكذا توالت الحلقات من دون أي تطور درامي يذكر، لحين وقوع جريمة قتل المهندس (شادي مقرش) عريس أخت أمجد (نجلاء خمري) في ليلة زفافه، وذلك عبر قصة جانبية هامشية ومفتعلة. كما مرت حلقات روتينية عدة قبل أن يكتشف الزوجان أمجد وعزة مشكلة عدم الإنجاب لدى الزوج. وصولا الى تورط عزة في علاقة عاطفية مع الأستاذ، لتبدو فيما بعد أنها علاقة عابرة وانفعالية.
إذن ثلاثة أحداث فقط مرت عبر أكثر من 15 حلقة. هذه الوتيرة البطيئة كادت ربما أن تُفقِد العمل جمهوره. الى حين وقوع الحدث المفصلي الذي خطف الأنظار من جديد.
لعل اكتشاف أمجد «لخيانة» زوجته، يشكل قوة الدفع التي أعادت شحن المشاهد برغبة المتابعة. (وربما قبلها بقليل، أي لدى اكتشاف عزة حبها لزوجها من خلال زيارة منزلهما الزوجي، وقرارها بالعودة اليه). فاكتشاف الزوج لعلاقة زوجته مع الأستاذ، استدرج العمل الى مشاهد احترافية، تجلّى فيها النص والإخراج والتمثيل على حد سواء. وهكذا صعد العمل مجددا الى مستوى مهني بامتياز، ليعبّر بأمانة عن موهبة حاتم علي الإخراجية. فكانت المواجهات بين الزوجين، ومحاولات الزوجة طلب الغفران من زوجها، تأخذ الحوارات الى حيث العمق والتجديد شكلا ومضمونا، وتنحو بالإخراج منحى جاذبا يعتمد على الواقعية والصدق، فتواطأت الكاميرا مع المشاهد، عبر التنقل بين غرف المنزل ورصد ردود فعل الزوجين بين غرفتي الجلوس والنوم. بين المقعد والسرير. وهو رصد نقل أدق الانفعالات وأكثرها شفافية لحالة من هذا النوع. تضاربت عبرها مشاعر الحب مع عدم الثقة تارة، ومع الشعور بالذنب طورا. وقد برع فيها كل من الفنان باسل خياط وسلافة معمار، التي اتسمت طلتها بالبساطة من حيث اللباس والشكل لإضفاء المزيد من المصداقية على الأحداث.
ونظراً لواقعية المشاهد الأخيرة يخيل الينا ان الكاتب نقل القصة من تجربة شخصية.
إذن، لعل في الحلقات الأولى ما يثير فضول المشاهد. ولكن في الحلقات الأخيرة، ما يأخذه الى عالم درامي أخّاذ، وما بينهما مشاهد طارئة ومفتعلة.
وليس مبالغا القول إن قيمة العمل كله ونقاط قوته... تكمن في حلقاته الأخيرة!