2012/07/04
"المرجعية" نجيب نصير في كل المسلسلات البوليسية التي قدمتها الدراما التلفزيونية السورية، كان هناك إعراض واضح عن متابعتها وبالتالي عدم تأثيرها وانتشارها، حيث بدت كنوع درامي قليل النجاح، مع أن القصة والشخصيات والأحداث اعتمدت في الغالب على قصص حقيقية موثقة من سجلات الشرطة الجنائية أو وزارة العدل، ما يدفع المرء للتساؤل، في ظل التوصيفات الكثيرة عن المسلسل الناجح والتي تعتمد على كلمة (واقعية)، لماذا لا تنجح هذه المسلسلات الواقعية جداً ؟ تقودنا هذه (الواقعية) و(الواقعية جداً) إلى "المرجعية" التي يستقي منها الصانع والمتلقي معلوماتهما حول الموضوع المطروح ، ليظهر أن الواقعية في خلاصة الأمر ليست إلا الصدق الفني، وهو أن يكون الصانع مصدقاً لما يقدم ، والمتلقي مصدقاً لما يقدم له، أي بما يعني استخدام كل المخزون الثقافي للطرفين في عمليتي التقديم والتلقي. فمرجعية المتلقي العربي الثقافية الحياتية لا تستطيع تقبل النماذج البشرية المطروحة في المسلسلات الواقعية والواقعية جداً ، بينما يبدو الصانع الى الصورة النموذجية التي يجب أن يتحلى بها الواقع، ليبدو الفارق واسعاً بين ما يعلمه المتلقي وما يستطيع أن يقدمه صانع الدراما التلفزيونية، ومع أدنى شعور للمتلقي بالتلفيق أو (الغلا غلا) يسقط العمل من ذهنه قبل إسقاطه من وقته. إذاً من أين يأتي صناع العمل الدرامي التلفزيوني بمرجعيتهم؟ التي تؤسس لقصصهم ومروياتهم البصرية؟ بشكل مؤكد من الحياة أولاً، ومن الحياة الاجتماعية ثانياً في حال لم يكن العمل مشروطاً بشروط بيئية (كالعيش على القمر مثلاً)، أو فنية (كالفانتازيا). وفي كل الأحول هناك الخضوع لشرط الواقع كوسيلة لتنفيذ العمل الفني، فمن أين يأتي الكاتب أو المخرج أو الممثل بشخصية سمسار سيارات مثلاً أو بائع حليب أو شرطي؟ حتماً سيذهب إلى الحياة ليلحظ المواصفات الشخصية، والمصالح المحركة لهذه الشخصية أو تلك لا لينقلها كما هي بل ليكيفها حسب مقتضيات الدراما. وكذلك الأمر بالنسبة للأحداث والحبكات والحكايا، فالحياة هي الخزان الأكبر لها، وما يحصل في المجتمع لا يخضع للتوثيق أو الإحصاء أو الملاحظة العلمية، بل يتم تناقله بين الأفراد كخبريات محايدة يستفيد منها السيناريست والمخرج (وربما القضاة والمحامون والأطباء الخ)، هذه الخبريات أو الأحداث الاجتماعية لا تشرّف المجتمع ولا تؤثمه، لأن المجتمع مختبر واسع ودائم، حسب المصالح المستجدة والصدمات الاستهلاكية أو التكنولوجية المتكررة، فهل يستطيع أحد، مثلاً، تقدير أعداد العلاقات المختلطة بين الإناث والذكور عبر الإنترنت؟ وهل يستطيع أحد تقدير مفاعيلها ونوعياتها؟. قد يعرف السيناريست، مثلاً، عدداً كبيراً من هذه العلاقات القائمة عبر الحدود، مثلا (لزوم السترة) كأن تقيم إمرأة علاقة مع رجل عبر الإنترنت في بيروت أو عمان أو إنطاكية أو روما، إلخ. وما ينتج عنها من نجاح وفشل ومشاكل، ألا يشكل هكذا موضوع حتى ولو لم يكن مثبتاً بالأدلة مرجعية ما لصناع العمل وللمتلقي في آن معاً. لسبب بسيط أن هذا الموضوع مطروح للممارسة الاجتماعية ونتائجها، صحيح أن أية قصة أو شخصية، يمكن لها أن تكون مختلقة أو واقعية، ولكن الخضوع لشرط الواقع هو الذي يقود الى الصدق الفني وبالتالي التلقي الجيد. ينبري الكثيرون لمقاومة هذا الصدق الفني بحجة أن العرض يشكل دعوة لتعميم السلبي وإخفاء الإيجابي، وهنا نعود الى المربع الأول أي التساؤل ما هي الدراما .... ولماذا الدراما . فسحة لمقالات ضيوف البوسطة.. نقدم فيها مقالات جادة تشكل بنية لحوار طموح في شؤون الفن في سورية والعالم العربي.. ويدفعنا الأمل بمشاركة كل كتابنا الغيورين على الفن الجميل. ملاحظة: لا تعبر آراء الكتاب بالضرورة عن رأي الموقع.