2012/07/04

إيمتى بدو يطلع الضو: سوريا تنهض من 'فخ الدماء'
إيمتى بدو يطلع الضو: سوريا تنهض من 'فخ الدماء'

رضاب نهار - ميدل ايست أونلاين

سوريا اليوم بحاجةٍ لأولادها، مهما اختلفت أعمارهم وأجناسهم وانتماءاتهم. بحاجةٍ لدعواتهم وأمنياتهم لها بالسلام ورأفتهم بها حتى ولو قسَت عليهم يوماً، هذا ما يؤكده العرض المسرحي "إيمتى بدو يطلع الضو" الذي يدعو جمهوره لإعادة سوريا كما كانت بلدا يتسع للجميع ويقبل اختلافهم.

ويأتي العرض كصيغة مسرحية تجريبية، تختتم الدورة التدريبية لمديري صالات ومسارح بعض المدارس في مدينة دمشق التي بدأت مع نهاية الشهر الأول من هذا العام بتوجيه من مديرية المسارح والموسيقى والأنشطة الفنية في وزارة التربية.

وأشرف على العملية الإخراجية للعرض الممثل حسام الشاه بمساعدة فنانين ومتخصصين بالمسرح مثل أحمدية النعسان وخالد القيش وهبة خصروف وريم شالاتي.

وعملت المجموعة بشكلٍ جماعيّ حتى تمكّنت من التوصل لصيغة عرض نهائية، مع أن شروط الورشة فعلياً لم تجبرهم على ابتداع عرضٍ في النهاية.

وما يميّز "إيمتى رح يطلع الضو" خلوه من الآراء السياسية واختلافات الرأي التي تشغل الساحات العامّة وشاشات التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعية بكافة أنواعها.

وحدها المشاعر الطيبة هي التي اجتاحت الخشبة مطلقةً نفسها بقوّة من خلال أمّهات سوريات مارسن دورهن الحقيقي في الحياة خارج وداخل المسرح.

الممثلات في العرض هنّ موظفات في الدولة، وعلى الرغم من أنهن يعملن كمديرات لصالات المسارح في المدارس إلا أنهن لم يتوقعن أن يشاركن يوماً بصفة "ممثلة" تؤدي دوراً أمام جمهورٍ واسع.

"النص هو حكايتهن القلقة والدافئة، إنهن أمهات لم تفقد واحدةٌ منهن أياً من أبنائها، لكنّهن جميعاً عانين من فراق قريب أو صديق وبكين على حسرةِ أمّ تنهّدت أمامهن"، هذا ما قاله مخرج العرض حسام الشاه.

وأضاف "كانت الرغبة في أن تنهض سوريا سليمة معافاة من فخّ الدماء الذي وقعت فيه، هو الحلم المشترك لكل واحدة من ممثلات عرضنا وهو الحلم الذي شاركنا به كمجموعة من خلال محاولتنا التركيز على بعض التفاصيل في النص والسينوغرافيا".

قدم "إيمتى رح يطلع الضو" على شكل مونولوجات تداخلَت وتشابكت في لحظاتٍ كثيرة، حيث قدّمت كل أمّ (ممثلة) مونولوجها الخاص على خشبة المسرح التي صارَت مكاناً مخصصاً لعرض آلام السوريين، وقد استطاعت ممثلات العرض تخطي صعوبة البوح الصادق والحقيقي أمام حشدٍ هائل من المتفرجين.

وروَت إحداهن قصة استقبالها لعائلة أبو شاكر التي نزحت من إدلب، إنها نازحة من الجولان المحتل وها هي اليوم تستقبل نازحين من محافظاتٍ سورية، وتحدثت أخرى عن ابنة صديقتها التي خسرت يدها في إحدى تفجيرات الوقت الضائع (حسب تعبير حسام الشاه)، فخسرت إلى الأبد احتمال وضع خاتم الزواج.

امرأة أخرى شاركت الجمهور بهواجسها القلقة والمريضة، والتي أصابتها بسبب خدمة ابنها العسكرية في درعا، وأخرى وصفَت تغييرات جذرية حصلت في حديث ابن أخيها البالغ من العمر 15 عاماً، فقد صار في الآونة الاخيرة كالراشدين يحلّل ويحاكم ما يحصل أمامه على أرض الواقع.

قصصٌ أخرى جاءت على لسان بقية الممثلات، وكانت كلها خالية من مصطلحات السياسة في حين احتلتها المصطلحات الإنسانية التي تخاطب كل إنسان يملك من المشاعر ما يكفي ليشعر بما يعانينه وعائلاتهن.

لم يخلُ العرض من الحس الذكوري المتمثل بالرجل الوحيد على الخشبة، إنّه الضمير الحيّ للنسوة كما أنّه الشاهد على ما يجري من جرائم، خاصةً أننا نراه كل الوقت يحضّر أقمشة بيضاء وكأنها أكفان، خلال المونولوجات على الجمهور.

وهذا الرجل هو من يبدأ العرض بجملته " 25 سنة وأنا مدرب تربية عسكرية.. أح تنين.. أح تنين.. أح تنين.. مخي ما فتّح عالتلاتة". ويختمه قائلاً "ألف الحمد الله من 25 يوم طلع قرار انفكاكي".

وشرح لنا حسام الشاه العملية التي تم خلالها كتابة النص بقوله "النص من صنع بطلات العرض، لقد طلبت من كل واحدة أن تكتب قصة بصفحة أو اثنتين بدايتها 'الحمد الله ابني ما استشهد.. بس... '، وفي النهاية جمّعنا القصص وأعدنا صياغتها جميعاً. واستلمت المهمة بشكل أساسي ريم شالاتي التي أعدّت نسخة النص الأخيرة للعرض".

وتابع "في الحقيقة واجهنا مع مديرات الصالة مشكلة قدرتهن على التعبير، فقد كنّ يعبّرن عن حبهنّ للبلد مستخدمات مفردات مستهلكة درسناها في مدارسنا مراراً وتكراراً، حتى فقدت نكهتها العفوية والصادقة، ومهمتنا تجلّت في تحويل هذه المفردات إلى اخرى أكثر حيوية وشفافية".

لم يكن العرض لممثلين محترفين، لكنّ جرأة طرحه في هذا الوقت العصيب وموضوعه الذي هو حديث الصغير قبل الكبير في كل بيتٍ من سوريا جعلتنا نتماهى معه إلى أماكن بعيدة.

ولم يوجّه "إيمتى بدو يطلع الضو" اتهامه لأية جهة بما يحدث في سوريا، لكنّه حمّل المسؤولية الكاملة لكل السوريين داخل الصالة وخارجها، ليدفعهم لأخذ مواقعهم في عملية وقف سيل الدماء الجارية، وربما هذه الإنسانية العالية في النص والعرض هي ما جعلت الجمهور يبكي بقدر ما استمتع.