2013/05/29
لبنى شاكر – تشرين
كتابةً وإخراجاً يقدم غطفان غنوم فيلمه «صور الذاكرة»، إنتاج المؤسسة العامة للسينما، ويحكي قصة سرور وفرحان، اللذين يلتقيان مصادفة،
ولكل منهما مشكلاته الحياتية الخاصة، يقضيان ليلة كاملة في شوارع دمشق، ويختمانها على جبل قاسيون، نتيجة هذا التعارف، يؤثر كل منهما بالآخر، لتتلاحق الأحداث والحكايات.
يتكون الفيلم كبنية مشاهد من ثلاثة مستويات تسير مع بعضها، يتمثل الأول بلقاء الشخصيتين، ويعتمد الثاني أسلوب «الفلاش باك» في تجربة سرور مع حبيبته، والأخير حلمٌ نعيشه عبر السياق العام للفيلم.
«صور الذاكرة» عمل ينطلق من الواقع، لكنه كما يبين غنوم في حديثه لتشرين, مطعّم بشيء من الخيال على اعتبار أن أي مادة فنية تخلو من الجاذبية، تخلو حكماً من الصدق، وهو أيضا لا يكفي إذا لم يكن مستنداً إلى خيال ناهيك بأن الفنان يختلف عن الإنسان العادي بوسائل تعبيره، بما يتناسب مع المادة الفنية.
يتحدث غنوم في السيناريو عن تجربة شخصية، ويتماهى تماماً مع مختلف المشاعر والأحاسيس ككاتب، في حين يعيش نوعاً من الفصل تجاه هذا المنتج الأدبي أثناء الإخراج والعمليات الفنية، والتي يمكن تصنيفها تقنياً وإنسانياً، بحيث يوضع الأول بما يخدم الفكرة، ويبقى الشق الإنساني موجوداً بالتعاطف مع اللقطة وكيفية إيصالها من الناحية الجمالية والنفسية. ولأنه جزء من الفيلم يحتاج غنوم إلى وجهة نظر ثانية خلال المونتاج لتكتمل الرؤية لاسيما أنه يرى في الإخراج حالة اكتشاف مستمر لنفسه.
عن ظاهرة سينما المؤلف، وتجربته يقول غنوم: «ليست لدينا في سورية أكاديمية سينمائية، بالتالي ليس لدينا حتى الآن عرف سينمائي أو قسم لدراسة سيناريو السينما، المعهد العالي للفنون المسرحية يخرج ممثلين، وفيه قسم دراسات، وهؤلاء برأيي ليسوا اختصاصيين لأن آلية العمل السينمائي تختلف تماماً عن التلفزيوني، علماً بأنه لا يدرس أيضاً، نتيجة لهذا الافتقار نضطر كمخرجين لكتابة سيناريوهاتنا». يتمنى غنوم كمخرج أن يتوافر له سيناريو مناسب، وجهة إنتاجية تدعمه لأن العمل السينمائي في النهاية عمل متكامل، ويرى أن مسالة كتابة السيناريو تختلف عن الإخراج بكل تفاصيلها، وليس بالضرورة أن يخرج فيلم من كتابته. يضيف غنوم «يحسب لسينما المؤلف حملها لهاجس دائما، كونها تنطلق من تجربة أو فكرة شخصية، ولأن التجارب مختلفة فالأفكار ستكون كذلك، وهذا لا يعني بالضرورة أن المنتج سيكون جيداً».
اختيار الأسماء في الفيلم لم يكن مقصوداً في حد ذاته أو مفتعلا بل هو جزء عضوي من كتابة السيناريو، أما إلى أي درجة يستطيع فيلم قصير كـ «صور الذاكرة» أن يقدم حالة أو فكرة مكثفة ومعمقة تصل للمشاهد يشرح غنوم بأن هناك أفلاما قصيرة قائمة على فكرة بذاتها، وأحيانا لا تقوم على بنية شخصية لكن في فيلمه خطوط متكاملة من هذه الشخصيات، وبنية فيلم طويل تماما، كُثف بخمس وعشرين دقيقة، ولا خلاف بين الفيلم القصير والطويل في آلية العمل والتصوير، كما أن للفيلم القصير ملامح فيلم مكتمل العناصر.
لكن, هل للسينما جمهور كالدراما التلفزيونية؟
يقول غنوم: لا أرى أن التلفزيون حالة فنية صحيحة، أو هو كما قال عنه البعض فن الثرثرة، ففي فيلم سينمائي واحد مهما اختلفنا أو اتفقنا على جودته أو عمق فكرته فهو يحمل من الجهد والسير في اتجاه فني صحيح ما لا يحمله أي مسلسل مهما كان جيداً، إذ تمكن رؤية مكونات التصوير التي تتعلق بالتشكيل والحركة، والصوت وما إلى ذلك بوضوح على عكس التلفزيوني، فهو منتج استهلاكي والدليل أن المشاهد لا يمكن أن يتذكر أكثر من لقطة تلفزيونية أو اثنتين أثرتا به، وغالباً ما تحمل هذه اللقطات بعدا سينمائيا مقابل عشرات اللقطات والعناوين السينمائية.
ما يراه غنوم في التلفزيون هو أداء لممثلين يمثلون أنفسهم، وفي حالات خاصة يمكن أن يرى بناء للشخصية، مؤكدا تفوق الدراما التلفزيونية وجرأتها ضمن منطق الجماهيرية والمتابعة، أما ثقافياً فالمسلسل التلفزيوني يقدم كليشهات جاهزة لحقيقة على الواقع لكن لا تطابقها، حتى العشوائيات التي يقدمها تختلف عن تلك الواقعية، وغالباً ما تقدم بشكل «مبستر»، وحين تشاهد مثلا مسلسلاً كـ «صبايا»، لا يمكن أن تصدق أنك في سورية، وهذا مؤشر على أن المسلسل السوري بدأ يبتعد عنا، وكان في فترة من الفترات يسير باتجاه آخر، تراجع عنه مع بداية صعود الدراما.
ماذا عن الاستفادة من نجومية ممثلي الدراما في السينما؟
الفكرة تتعلق بمفهوم النجم السينمائي والممثل الناجح، فمن الطبيعي أن يحضر كثيرون فيلماً لـ «روبرتو دينيرو» فور الإعلان عنه، هذا عامل جذب وأتمنى أن تكون عندنا أفلام تجارية تجذب الجمهور وأخرى للنخبة بالتالي للمشاهد حرية الاختيار، وليس في هذا إساءة لأن الأذواق متباينة في طبيعتها، في المحصلة نجوم الدراما هم ممثلون، وكمخرج أبحث عن الممثل المناسب للشخصية، وفي العمل تعمدت اختيار الممثلين المشاركين لأنهم يخدمون شخصياتهم. أما إلى أي درجة يمكن أن نرى لاحقاً أفلاماً يوائم فيها غنوم ما بين الأفكار الخاصة والعامة؟؟ يجيب: كتبت سيناريو لفيلم طويل بعنوان «الرصاصة» بناء على تجربة شخصية، يمكن أن تنطبق على أي شخص آخر، ويمكن تصنيفها ضمن الكوميديا السوداء، تتخللها حكما بعض الانطباعات والمشاعر الشخصية، إضافة إلى فيلم قصير«بحبك بابا بحبك ماما» سيعرض على المؤسسة العامة للسينما، كونها المكان الأفضل لتقديم الأفلام في ظل غياب جهات أخرى خاصة تدعم هذه المشاريع.
يشير غنوم إلى أن غياب الرافد الأكاديمي للمؤسسة سبب في عدم وجود اختصاصيين في النقد وغيره من دون أن نبخس أحداً حقه، وهذه مشكلة لا تتحمل نتائجها المؤسسات فقط.