2016/06/18
في ستينيات القرن الماضي، حقق «مسرح الشوك» حضوراً مدوّياً في الوطن العربي، وخرج جمهوره من الإعلاميين العرب ليعلنوا آنذاك أنّ سوريا هي بلد الديموقراطية، ما دامت تترك فرصةً لوجود هذا النوع من النقد السياسي على المسرح.
انطلاقة «مسرح الشوك» كانت مع عرض «مرايا» الذي ركّز على بريق المرايا وقسوة ما تعكسه من واقع اجتماعي صادم. ومع هذا العمل، سيلتقي مؤسس هذا المسرح الفنان الراحل عمر حجو (1931 ــــ 2015) بالكوميديان الشهير دريد لحام ليقدّما معاً عرض «جيرك». بعد ذلك، اتفق حجو ولحام على تناول أسباب هزيمة 1967، فيما كانت السلطات ترفض الاعتراف بالهزيمة. والحل كان تأسيس «مهرجان دمشق المسرحي» ليكون ذريعة تقدّم من خلالها عروض «مسرح الشوك». وبالفعل، تأسس المهرجان في عام النكسة، وقدم فيه عرض «جيرك». لاحقاً، سيقدّم حجو مع دريد ونهاد قلعي ومحمد الماغوط مسرح الكباريه السياسي «الساعة العاشرة»، والثلاثية الشهيرة «ضيعة تشرين»، و«غربة»، و«كاسك يا وطن»...
تلك كان التجارب الأصلية في الكوميديا السورية التي تشهد هذه الأيام انتكاسة بالغة. لاحقاً، استوحيت من فكرة «مرايا»، التي قدمها حجو، أعمال تلفزيونية شهيرة مثل «مرايا» (ياسر العظمة) و«بقعة ضوء». الأخيرة حققت شهرة عربية ونجاحاً خاصاً عندما أسّسها النجمان أيمن رضا وباسم ياخور، وكانت الانتقالة الأولى إلى الإخراج بالنسبة إلى المخرج الليث عمر حجو. لاحقاً، تهالك مستوى العمل نتيجة توالي أكثر من مخرج لا يجيد صناعة الكوميديا، ولا يملك حسّ الفكاهة في حياته، إلى أن أعاد المخرج عامر فهد ـــ عبر ثلاثة أجزاء ـــ شيئاً من ألق العمل المفقود، فظنّت شركة «سوريا الدولية» المنتجة للعمل أنها ستحتكر فهد لهذا المشروع السنوي. لكن فهد غادرها بلا رجعة حتى الآن.
في المقابل، تمكّنت شركة «كلاكيت ميديا» (إياد النجار) من تعديل الموقف الكوميدي نسبياً في ما يخصّ الدراما السورية هذه المرّة من خلال مسلسلها «الطواريد» (قصة شادي دويعر سيناريو وحوار مازن طه وإخراج مازن السعدي). وبالمناسبة هي الشركة السورية الوحيدة التي تعرض أعمالها على محطات الدرجة الأولى هذا العام، بذريعة الشراكة الاستراتيجية بينها وبين قنوات «أبو ظبي». الاقتراح الكوميدي هنا قائم على فرضية ساذجة عن صراع القبائل البدوية الافتراضية، ونجاة طفلين ثم وصولهما إلى قبيلة الشيخ «طرود» لترضعهما كل النساء، عدا زوجة «طرود». ثم ما إن يشتد عودهما حتى يصبحا رمزين للقباحة! ومع ذلك، يتنافسان على خطب ود ابنة الشيخ الفاتنة (نسرين طافش) كونها الوحيدة التي تجوز لأحدهما، في حين يضع الشيخ شروطاً تعجيزية لأي فارس يريد الاقتران بابنته، وتدور المفارقات وسط هذه الحالة. اعتقدت الجهة الإنتاجية أن بإمكانها صناعة مسلسل لطيف، خاصة أنها اشترت حقوق العمل من شركة ثانية ثم أعادت صياغة النص مرّة ثانية، وقدّمت تجربتها بالاتكاء على براعة نجوم الكوميديا الذين استقطبتهم لأداء الأدوار الرئيسية، وجمال الممثلات، وإن كنّ من الدرجة الثانية، ثم منح فرصة إخراجية للمونيتير مازن السعدي! وبالفعل نجحت في رهانها على أداء محمد حداقي، وأحمد الأحمد، ونسرين طافش، وعبد الهادي الصبّاغ، وأيمن رضا، وقاسم ملحو، وأندريه سكاف، وفادي صبيح، وتيسر إدريس وآخرين ... تتراجع كل المؤشرات هنا لمصلحة الأداء المتقن والكركترات التي يبرع الممثلون السوريون في إجادتها، خاصة بطلي العمل الأحمد وحداقي «شيطاني الكوميديا»، بحسب التسمية التي يحلو لبعض زملائهم إطلاقها، فيما تلمع بعض «الإفيهات» التي وُفّقت في رسم البسمة على وجوه مشاهدي العمل.
آخر التجارب الكوميدية هذا العام هي «سليمو وحريمو» (تأليف وإخراج فادي غازي) التي تعتبر بمثابة استباحة حقيقية لمهنة الدراما، وقد جوبه المسلسل ونجمه عبد المنعم عمايري بحملة نقد لاذعة على السوشال ميديا!